الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} {سُبْحَانَ} أي تنزيه {الذى أسرى بِعَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {لَيْلاً} نصب على الظرف، والإِسراء: سير الليل، وفائدة ذكره الإِشارة بتنكيره إلى تقليل مدّته {مِّنَ المسجد الحرام} أي مكة {إلى المسجد الاقصى} بيت المقدس لبُعْده منه {الذى باركنا حَوْلَهُ} بالثمار والأنهار {لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا} عجائب قدرتنا {إِنَّهُ هُوَ السميع البصير} أي العالم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، فأنعم عليه بالإِسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى.
{وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)} قال تعالى {وَءاتَيْنا مُوسَى الكتاب} التوراة {وجعلناه هُدًى لِّبَنِى إسراءيل} ل {أ} ن {لا يَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلاً} يفوّضون إليه أمرهم وفي قراءة «تتخذوا» بالفوقانية التفاتا ف «إن» زائدة، والقول مضمر.
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)} {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} في السفينة {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} كثير الشكر لنا، حامداً في جميع أحواله.
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)} {وَقَضَيْنَآ} أوحينا {إلى بَنِى إسراءيل فِى الكتاب} التوراة {لَتُفْسِدُنَّ فِى الأرض} أرض الشام بالمعاصي {مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} تبغون بغياً عظيماً.
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)} {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أولاهما} أولى مَرَّتي الفساد {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} أصحاب قوّة في الحرب والبطش {فَجَاسُواْ} ترددوا لطلبكم {خلال الديار} وسط دياركم ليقتلوكم ويسبوكم {وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً} وقد أفسدوا الأولى بقتل زكريا فبعث عليهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوا أولادهم وخربوا بيت المقدس.
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)} {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة} الدولة والغلبة {عَلَيْهِمْ} بعد مائة سنة بقتل جالوت {وأمددناكم بأموال وَبَنِينَ وجعلناكم أَكْثَرَ نَفِيرًا} عشيرة.
{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)} وقلنا: {إِنْ أَحْسَنتُمْ} بالطاعة {أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ} لأنَّ ثوابه لها {وَإِنْ أَسَأْتُمْ} بالفساد {فَلَهَا} إساءتكم {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ} المرّة {الأخرة} بعثناهم {لِيَسئُواْ وُجُوهَكُمْ} يحزنوكم بالقتل والسبي حزناً يظهر في وجوهكم {وَلِيَدْخُلُواْ المسجد} بيت المقدس فيخرّبوه {كَمَا دَخَلُوهُ} وخرّبوه {أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ} يهلكوا {مَا عَلَوْاْ} غلبوا عليه {تَتْبِيرًا} هلاكاً، وقد أفسدوا ثانياً بقتل يحيى، فبعث عليهم بختنصر فقتل منهم ألوفاً وسبى ذرّيتهم وخرّب بيت المقدس.
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)} وقلنا في الكتاب {عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ} بعد المرّة الثانية إن تبتم {وَإِنْ عُدتُّمْ} إلى الفساد {عُدْنَا} إلى العقوبة وقد عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، فسلط عليهم بقتل (قريظة) وَنَفيْ (بني النضير) وضرب الجزية عليهم {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا} محبساً وسجنا.
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} {إِنَّ هذا القرءان يَهْدِى لِلَّتِى} أي الطريقة التي {هِىَ أَقْوَمُ} أعدل وأصوب {وَيُبَشِّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}.
{وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)} {وَ} يخبر {أَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة أَعْتَدْنَا} أعددنا {لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} مؤلماً هو النار.
{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)} {وَيَدْعُ الإنسان بالشر} على نفسه وأهله إذا ضجر {دُعَآءَهُ} أي كدعائه له {بالخير وَكَانَ الإنسان} الجنس {عَجُولاً} بالدعاء على نفسه وعدم النظر في عاقبته.
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)} {وَجَعَلْنَا اليل والنهار ءَايَتَيْنِ} دالتين على قدرتنا {فَمَحَوْنآ ءَايَةَ اليل} طمسنا نورها بالظلام لتسكنوا فيه، والإِضافة للبيان {وَجَعَلْنآ ءَايَةَ النهار مُبْصِرَةً} أي مبصراً فيها بالضوء {لِّتَبْتَغُواْ} فيه {فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ} بالكسب {وَلِتَعْلَمُواْ} بهما {عَدَدَ السنين والحساب} للأوقات {وَكُلَّ شئ} يحتاج إليه {فصلناه تَفْصِيلاً} بيّنّاه تبيينا.
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)} {وَكُلَّ إنسان ألزمناه طائره} عمله يحمله {فِى عُنُقِهِ} خص بالذكر لأن اللزوم فيه أشدّ وقال مجاهد: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كتابا} مكتوباً فيه عمله {يلقاه مَنْشُوراً} صفتان (لكتاباً).
{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} ويقال له {اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا} محاسباً.
{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} {مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ} لأن ثواب اهتدائه له {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} لأن إثمه عليها {وَلاَ تَزِرُ} نفس {وازرة} آثمة أي لا تحمل {وِزْرَ} نفس {أخرى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} أحداً {حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} يبيّن له ما يجب عليه.
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)} {وَإِذآ أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَآ مُتْرَفِيهَا} مُنَعمِّيها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا {فَفَسَقُواْ فِيهَا} فخرجوا عن أمرنا {فَحَقَّ عَلَيْهَا القول} بالعذاب {فدمرناها تَدْمِيرًا} أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)} {وَكَمْ} أي كثيرا {أَهْلَكْنَا مِنَ القرون} الأمم {مِن بَعْدِ نُوحٍ وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا} عالما ببواطنها وظواهرها، وبه يتعلق (بذنوب).
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)} {مَّن كَانَ يُرِيدُ} بعمله {العاجلة} أي الدنيا {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشآءَ لِمَن نُّرِيدُ} التعجيل له، بدل من «له»، بإعادة الجار {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ} في الآخرة {جَهَنَّمَ يصلاها} يدخلها {مَذْمُومًا} ملوماً {مَّدْحُورًا} مطروداً عن الرحمة.
{وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)} {وَمَنْ أَرَادَ الأخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا} عمل عملها اللائق بها {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} حال {فأولئك كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} عند الله أي مقبولاً مثاباً عليه.
{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)} {كَلاًّ} من الفريقين {نُّمِدُّ} نعطي {هؤلاءآء وهؤلاءآء} بدل {مِنْ} متعلق «بنمد» {عَطآءِ رَبِّكَ} في الدنيا {وَمَا كَانَ عَطَآءَ رَبِّكَ} فيها {مَحْظُورًا} ممنوعاً عن أحد.
{انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} {انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} في الرزق والجاه {وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ} أعظم {درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} من الدنيا فينبغي الاعتناء بها دونها.
{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} {لاَّ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً} لا ناصر لك.
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)} {وقضى} أمر {رَبُّكَ} ن أي بأن {لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ * إِيَّاهُ و} وأن تحسنوا {بالوالدين إحسانا} بأن تبروهما {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر أَحَدُهُمآ} فاعل {أَوْ كِلاَهُمَا} وفي قراءة «يَبْلُغانِّ» فأحدهما بدل من ألفه {فَلاَ تَقُل لَّهُمآ أُفٍّ} بفتح الفاء وكسرها منوناً وغير منون مصدر بمعنى تبا وقبحاً {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} تزجرهما {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} جميلاً ليّناً.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} {واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل} ألِن لهما جانبك الذليل {مِنَ الرحمة} أي لرقتك عليهما {وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا} رحماني حين {رَبَّيَانِى صَغِيرًا}.
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)} {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ} من إضمار البرّ والعقوق {إِن تَكُونُواْ صالحين} طائعين لله {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ} الراجعين إلى طاعته {غَفُوراً} لما صدر منهم في حق الوالدين من بادرة وهم لا يضمرون عقوقا.
{وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)} {وَءَاتِ} أَعْطِ {ذَا القربى} القرابة {حَقَّهُ} من البرّ والصلة {والمسكين وابن السبيل وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} بالإِنفاق في غير طاعة الله.
{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} {إِنَّ المبذرين كَانُواْ إخوان الشياطين} أي على طريقتهم {وَكَانَ الشيطان لِرَبِّهِ كَفُورًا} شديد الكفر لنعمه، فكذلك أخوه المبذر.
{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)} {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} أي المذكورين من ذي القربى وما بعدهم فلم تعطهم {ابتغآء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} أي لطلب رزق تنتظره يأتيك فتعطيهم منه {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} ليّناً سهلاً بأن تعدهم بالإِعطاء عند مجيء الرزق.
{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)} {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} أي لا تمسكها عن الإِنفاق كل المسك {وَلاَ تَبْسُطْهَا} في الإِنفاق {كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا} راجع للأوّل {مَّحْسُوراً} منقطعاً لا شيء عندك راجع للثاني.
{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)} {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق} يوسِّعه {لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} يضيّقه لمن يشآءُ {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} عالماً ببواطنهم وظواهرهم فيرزقهم على حسب مصالحهم.
{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)} {وَلاَ تَقْتُلُواْ أولادكم} بالوأد {خَشْيَةَ} مخافة {إملاق} فقر {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا} إثماً {كَبِيراً} عظيماً.
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى} أبلغ من لا تأتوه {ا إِنَّهُ كَانَ فاحشة} قبيحاً {وَسَآءَ} بئس {سَبِيلاً} طريقاً هو.
{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ} لوارثه {سلطانا} تسلّطاً على القاتل {فَلاَ يُسْرِف} يتجاوز الحدّ {فِّى القتل} بأن يقتل غير قاتله أو بغير ما قتل به {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}.
{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)} {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} إذا عاهدتم الله أو الناس {إِنَّ العهد كَانَ مَسْئُولاً} عنه.
{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)} {وَأَوْفُوا الكيل} أتموه {إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم} الميزان السويّ {ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} مآلاً.
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} {وَلاَ تَقْفُ} تتبع {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد} القلب {كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} صاحبه ماذا فعل به.
{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)} {وَلاَ تَمْشِ فِى الأرض مَرَحًا} أي ذا مرح بالكبر والخيلاء {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض} تثقبها حتى تبلغ آخرها بِكِبْرِكَ {وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً} المعنى أنك لا تبلغ هذا المبلغ فكيف تختال؟.
{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)} {كُلُّ ذلك} المذكور {كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا}.
{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)} {ذلك مِمَّا أوحى إِلَيْكَ} يا محمد {رَبُّكَ مِنَ الحكمة} الموعظة {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ فتلقى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} مطروداً من رحمة الله.
{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)} {أفأصفاكم} أخلصكم يا أهل مكة {رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثًا}؟ بنات لنفسه بزعمكم {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ} بذلك {قَوْلاً عَظِيمًا}.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)} {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} بيَّنا {فِى هذا القرءان} من الأمثال والوعد والوعيد {لّيَذْكُرُواْ} يتعظوا {وَمَا يَزِيدُهُمْ} ذلك {إِلاَّ نُفُورًا} عن الحق.
{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)} {قُلْ} لهم {لَّوْ كَانَ مَعَهُ} أي الله {ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ} طلبوا {إلى ذِى العرش} أي الله {سَبِيلاً} ليقاتلوه.
{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)} {سبحانه} تنزيها له {وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ} من الشركاء {عُلُوّاً كَبِيراً}.
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} {تُسَبِّحُ لَهُ} تنزهه {السموات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن} ما {مِن شَئ} من المخلوقات {إِلاَّ يُسَبِّحُ} ملتبساً {بِحَمْدِهِ} أي يقول سبحان الله وبحمده {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ} تفهمون {تَسْبِيحَهُمْ} لأنه ليس بلغتكم {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} حيث لم يعاجلكم بالعقوبة.
{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)} {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} أي ساتراً لك عنهم فلا يرونك، نزل فيمن أراد الفتك به صلى الله عليه وسلم.
{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)} {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية {أَن يَفْقَهُوهُ} من أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه {وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْراً} ثقلاً فلا يسمعونه {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى القرءان وَحْدَهُ وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُوراً} عنه.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)} {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} بسببه من الهزء {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} قراءتك {وَإِذْ هُمْ نجوى} يتناجون أي يتحدّثون {إِذْ} بدل من «إذ» قبله {يَقُولُ الظالمون} في تناجيهم {إِن} ما {تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} مخدوعاً مغلوباً على عقله.
{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)} قال تعالى: {انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال} بالمسحور والكاهن والشاعر {فَضَلُّواْ} بذلك عن الهدى {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} طريقاً إليه.
{وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)} {وَقَالُواْ} منكرين للبعث {أَءِذَا كُنَّا عظاما ورفاتا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً}.
{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)} {قُلْ} لهم {كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً}.
{أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)} {أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ} يعظم عن قبول الحياة فضلاً عن العظام والرفات، فلا بد من إيجاد الروح فيكم {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا} إلى الحياة؟ {قُلِ الذى فَطَرَكُمْ} خلقكم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} ولم تكونوا شيئاً لأن القادر على البدء قادر على الإِعادة، بل هي أهون {فَسَيُنْغِضُونَ} يحرّكون {إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} تعجباً {وَيَقُولُونَ} استهزاء {متى هُوَ} أي البعث {قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا}.
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)} {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} يناديكم من القبور على لسان إسرافيل {فَتَسْتَجِيبُونَ} فتجيبون دعوته من القبور {بِحَمْدِهِ} بأمره وقيل وله الحمد {وَتَظُنُّونَ إِن} ما {لَّبِثْتُمْ} في الدنيا {إِلاَّ قَلِيلاً} لهول ما ترون.
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)} {وَقُل لّعِبَادِى} المؤمنين {يَقُولُواْ} للكفار الكلمة {التى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشيطان يَنزَغُ} يفسد {بَيْنَهُمْ إِنَّ الشيطان كَانَ للإنسان عَدُوّاً مُّبِينًا} بيّن العداوة، والكلمة التي هي أحسن هي:
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)} {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} بالتوبة والإِيمان {أَوْ إِن يَشَأْ} تعذيبكم {يُعَذِّبُكُم} بالموت على الكفر {وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} فتجبرهم على الإِيمان وهذا قبل الأمر بالقتال.
{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)} {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى السموات والأرض} فيخصهم بما يشاء على قدر أحوالهم {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ} بتخصيص كل منهم بفضيلة كموسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة ومحمد بالإِسراء {وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً}.
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)} {قُلْ} لهم {ادعوا الذين زَعَمْتُمْ} أنهم آلهة {مِن دُونِهِ} كالملائكة وعيسى وعزير {فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} له إلى غيركم.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)} {أولئك الذين يَدْعُونَ} هم آلهة {يَبْتَغُونَ} يطلبون {إلى رَبّهِمُ الوسيلة} القربة بالطاعة {أَيُّهُم} بدل من واو (يبتغون) أي يبتغيها الذي هو {أَقْرَبُ} إليه فكيف بغيره؟ {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويخافون عَذَابَهُ} كغيرهم فكيف تدعونهم آلهة؟ {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا}.
{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)} {وَإِنْ} ما {مِن قَرْيَةٍ} أريد أهلها {إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة} بالموت {أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} بالقتل وغيره {كَانَ ذلك فِى الكتاب} اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} مكتوباً.
{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)} {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالأيات} التي اقترحها أهل مكة {إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذبوا بها واستحقوا الإِهلاك وقد حكمنا بإمهالهم لإِتمام أمر محمد {وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ الناقة} آية {مُبْصِرَةً} بيّنة واضحة {فَظَلَمُواْ} كفروا {بِهَا} فأهلكوا {وَمَا نُرْسِلُ بالأيات} المعجزات {إِلاَّ تَخْوِيفًا} للعباد ليؤمنوا.
{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)} {وَ} اذكر {إِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} علماً وقدرة فهم في قبضته فبلِّغهم ولا تخف أحداً فهو يعصمك منهم {وَمَا جَعَلْنَا الرءيا التى أريناك} عياناً ليلة الإِسراء {إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ} أهل مكة إذ كذبوا بها وارتدّ بعضهم لما أخبرهم بها {والشجرة الملعونة فِى القرءان} وهي الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم جعلناها فِتنَةً لهم إذ قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبته؟ {وَنُخَوِّفُهُمْ} بها {فَمَا يَزِيدُهُمْ} تخويفنا {إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا}.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)} {وَ} اذكر {إِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ} سجود تحية بالانحناء {فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} نصب بنزع الخافض أي من طين.
{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)} {قَالَ أَرَءيْتَكَ} أي أخبرني {هذا الذى كَرَّمْتَ} فَضَّلت {عَلَىَّ} بالأمر بالسجود له؟ وأنا خير منه خلقتني من نار؟ {لَئِنْ} لام قسم {أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ} لأستأصلنّ {ذُرّيَّتَهُ} بالإِغواء {إِلاَّ قَلِيلاً} منهم ممن عصمته.
{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)} {قَالَ} تعالى له {اذهب} منظراً إلى وقت النفخة الأولى {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} أنت وهم {جَزَاءً مَّوفُورًا} وافراً كاملاً.
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)} {واستفزز} استخِفّ {مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} دعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية {وَأَجْلِبْ} صِحْ {عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} وهم الركاب والمشاة في المعاصي {وَشَارِكْهُمْ فِى الأموال} المحرّمة كالربا والغصب {والأولاد} من الزنا {وَعِدْهُمْ} بأن لا بعث ولا جزاء {وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان} بذلك {إِلاَّ غُرُوراً} باطلاً.
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)} {إن عبادي} المؤمنين {ليس لك عليهم سلطان} تسلط وقوة {وكفى بربك وكيلا} حافظا لهم منك {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)} {رَّبُّكُمُ الذى يُزْجِى} يجري {لَكُمُ الفلك} السفن {فِى البحر لِتَبْتَغُواْ} تطلبوا {مِن فَضْلِهِ} تعالى بالتجارة {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} في تسخيرها لكم.
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)} {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر} الشدّة {فِى البحر} خوف الغرق {ضَلَّ} غاب عنكم {مَن تَدْعُونَ} تعبدون من الآلهة فلا تدعونه {إِلاَّ إِيَّاهُ} تعالى فإنكم تدعونه وحده لأنكم في شدّة لا يكشفها إلا هو {فَلَمَّا نجاكم} من الغرق وأوصلكم {إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ} عن التوحيد {وَكَانَ الإنسان كَفُورًا} جحوداً للنعم.
{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)} {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر} أي الأرض ك (قارون) [76: 28- 81] {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} أي يرميكم بالحصباء كقوم لوط [54: 33-34] {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً} حافظاً منه.
{أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)} {أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ} أي البحر {تَارَةً} مرة {أخرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مّنَ الريح} أي ريحاً شديدة لا تمرّ بشيء إلا قصفته فتكسر فُلْككم {فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ} بكفركم {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} ناصراً وتابعاً يطالبنا بما فعلنا بكم.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا} فضّلنا {بَنِى ءَادَمَ} بالعلم والنطق واعتدال الخلق وغير ذلك ومنه طهارتهم بعد الموت {وحملناهم فِى البر} على الدوابّ {والبحر} على السفن {ورزقناهم مّنَ الطيبات وفضلناهم على كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا} كالبهائم والوحوش {تَفْضِيلاً} ف «مَنْ» بمعنى «ما» أو على بابها وتشمل الملائكة والمراد تفضيل الجنس، ولا يلزم تفضيل أفراده إذ هم أفضل من البشر غير الأنبياء.
{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)} اذكر {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم} نبيّهم فيقال يا أُمّة فلان أو بكتاب أعمالهم فيقال يا صاحب الخير يا صاحب الشر وهو يوم القيامة {فَمَنْ أُوتِىَ} منهم {كتابه بِيَمِينِهِ} وهم السعداء أولو البصائر في الدنيا {فأولئك يَقْرَءُون كتابهم وَلاَيُظْلَمُونَ} ينقصون من أعمالهم {فَتِيلاً} قدر قشرة النواة.
{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)} {وَمَن كَانَ فِى هذه} أي الدنيا {أعمى} عن الحق {فَهُوَ فِى الأخرة أعمى} عن طريق النجاة وقراءة القرآن {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} أبعد طريقاً عنه.
{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)} ونزل في ثقيف وقد سألوه صلى الله عليه وسلم أن يحرّم واديهم وألحوا عليه {وإِنْ} مخففة {كَادُواْ} قاربوا {لَيَفْتِنُونَكَ} ليستنزلونك {عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً} لو فعلت ذلك {لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً}.
{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)} {وَلَوْلاَ أَن ثبتناك} على الحق بالعصمة {لَقَدْ كِدتَّ} قاربت {تَرْكَنُ} تميل {إِلَيْهِمْ شَيْئًا} ركوناً {قَلِيلاً} لشدّة احتيالهم وإلحاحهم، وهو صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يركن ولا قارب.
{إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)} {إِذَاً} لو ركنت {لأذقناك ضِعْفَ} عذاب {الحياوة ضِعْف} عذاب {الممات} أي مِثْلَيْ ما يعذب غيرك في الدنيا والآخرة {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} مانعاً منه.
{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)} ونزل لما قال له اليهود: إن كنت نبياً فألحق بالشام فإنها أرض الأنبياء {وإِنْ} مخففة {كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض} أرض المدينة {لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا} لو أخرجوك {لاَّ يَلْبَثُونَ خلافك} فيها {إِلاَّ قَلِيلاً} ثم يهلكون.
{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)} {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} أي كسنتنا فيهم من إهلاك من أخرجهم {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} تبديلاً.
{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} أي من وقت زوالها {إلى غَسَقِ اليل} إقبال ظلمته أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء {وَقُرْءَانَ الفجر} صلاة الصبح {إِنَّ قُرْءَانَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً} تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} {وَمِنَ اليل فَتَهَجَّدْ} فصلِّ {بِهِ} بالقرآن {نَافِلَةً لَّكَ} فريضة زائدة لك دون أمّتك أو فضيلة على الصلوات المفروضة {عسى أَن يَبْعَثَكَ} يقيمك {رَبَّكَ} في الآخرة {مَقَاماً مَّحْمُودًا} يحمدك فيه الأوّلون والآخرون وهو مقام الشفاعة في فصل القضاء.
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)} ونزل لما أمر بالهجرة: {وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى} المدينة {مُدْخَلَ صِدْقٍ} إدخالاً مرضياً لا أرى فيه ما أكره {وَأَخْرِجْنِى} من مكة {مُخْرَجَ صِدْقٍ} إخراجاً لا ألتفت بقلبي إليها {واجعل لّى مِن لَّدُنْكَ سلطانا نَّصِيرًا} قوّة تنصرني بها على أعدائك.
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} {وَقُلْ} عند دخولك مكة {جَاءَ الحق} الإِسلام {وَزَهَقَ الباطل} بطل الكفر {إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا} مضمحلاً زائلاً وقد دخلها صلى الله عليه وسلم وحول البيت ثلثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ذلك حتى سقطت رواه الشيخان.
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} {وَنُنَزّلُ مِنَ} للبيان {مِنَ القرءان مَا هُوَ شِفَاءٌ} من الضلالة {وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} به {وَلاَ يَزِيدُ الظالمين} الكافرين {إَلاَّ خَسَارًا} لكفرهم به.
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)} {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان} الكافر {أَعْرَضَ} عن الشكر {وَنَئَاى بِجَانِبِهِ} ثَنَى عِطفه متبختراً {وَإِذَا مَسَّهُ الشر} الفقر والشدّة {كَانَ يَئُوساً} قنوطاً من رحمة الله.
{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)} {قُلْ كُلٌّ} منا ومنكم {يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} طريقته {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً} طريقاً فيثيبه.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} {وَيَسْئَلُونَكَ} أي اليهود {عَنِ الروح} الذي يحيا به البدن {قُلْ} لهم {الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} أي عِلْمه لا تعلمونه {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً} بالنسبة إلى علمه تعالى.
{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)} {وَلَئِنِ} لام قسم {شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً}.
{إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)} {إِلاّ} لكن أبقيناه {رَحْمَةً مّن رَّبّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} عظيماً حيث أنزله عليك وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك من الفضائل.
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)} {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان} في الفصاحةِ والبلاغة {لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} معيناً، نزل ردًّا لقولهم: {لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} [31: 8].
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)} {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} بيَّنَّا {لِلنَّاسِ فِى هذا القرءان مِن كُلِّ مَثَلٍ} صفة لمحذوف أي (مثلاً من جنس كل مَثَل ليتعظوا) {فأبى أَكْثَرُ الناس} أي أهل مكة {إِلاَّ كُفُورًا} جحوداً للحق.
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)} {وَقَالُواْ} عطف على «أَبَى» {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} عيناً ينبع منها الماء.
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)} {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ} بستان {مّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنهار خلالها} وسطها {تَفْجِيرًا}.
{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)} {أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} قِطَعاً {أَوْ تَأْتِىَ بالله والملائكة قَبِيلاً} مقابلة وعياناً فنراهم.
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)} {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ} ذهب {أَوْ ترقى} تصعد {فِى السماء} على السُّلَم {وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ} لو رقيت فيها {حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا} منها {كتابا} فيه تصديقك {نَّقْرَؤُهُ قُلْ} لهم {سبحان رَبّى} تعجب {هَل} ما {كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} كسائر الرسل ولم يكونوا يأتون بآية إلا بإذن الله؟.
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)} {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قَالُواْ} أي قولهم منكرين {أَبَعَثَ الله بَشَرًا رَّسُولاً} ولم يبعث ملكاً.
{قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)} {قُلْ} لهم {لَوْ كَانَ فِى الأرض} بدل البشر {ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً} إذ لا يرسل إلى قوم رسولاً إلا من جنسهم ليمكنهم مخاطبته والفهم عنه.
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)} {قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على صدقي {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} عالماً ببواطنهم وظواهرهم.
{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)} {وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيآءَ} يهدونهم {مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة} ماشين {على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مأواهم جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} سكن لهبها {زدناهم سَعِيرًا} تلهباً واشتعالاً.
{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)} {ذلك جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بئاياتنا وَقَالُواْ} منكرين للبعث {أَءِذَا كُنَّا عظاما ورفاتا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً}؟
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)} {أَوَلَمْ يَرَوْاْ} يعلموا {أَنَّ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض} مع عظمهما {قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} أي الأناسى في الصغر {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً} للموت والبَعْث {لاَّ رَيْبَ فِيهِ فأبى الظالمون إَلاَّ كُفُورًا} جحوداً له؟
{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)} {قُل} لهم {لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّى} من الرزق والمطر {إِذًا لأَمْسَكْتُمْ} لبخلتم {خَشْيَةَ الإنفاق} خوف نفاذها بالإِنفاق فتقتروا {وَكَانَ الإنسان قَتُورًا} بخيلاً.
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)} {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات بينات} وهي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس ونقص الثمرات {فَسْئَلْ} يا محمد {بَنِى إسراءيل} عنه سؤال تقرير للمشركين على صدقك، أو فقلنا له: (اسأل) وفي قراءة بلفظ الماضي {إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّى لأَظُنُّكَ ياموسى مَّسْحُورًا} مخدوعاً مغلوباً على عقلك.
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)} {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاءآء} الآيات {إِلاَّ رَبُّ السموات والأرض بَصَآئِرَ} عِبَراً، ولكنك تعاند. وفي قراءة بضم التاء {وَإِنِّى لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} هالكاً أو مصروفاً عن الخير.
{فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)} {فَأَرَادَ} فرعون {أَن يَسْتَفِزَّهُم} يُخرج موسى وقومَه {مِّنَ الأرض} أرض مصر {فأغرقناه وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا}.
{وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)} {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إسراءيل اسكنوا الأرض فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الأخرة} أي الساعة {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} جميعاً أنتم وهُم.
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)} {وبالحق أنزلناه} أي القرآن {وبالحق} المشتمل عليه {نَزَلَ} كما أنزل لم يعتره تبديل {وَمَآ أرسلناك} يا محمد {إِلاَّ مُبَشِّرًا} من آمن بالجنة {وَنَذِيرًا} من كفر بالنار.
{وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)} {وَقُرْءَانًا} منصوب بفعل يفسره {فرقناه} نزّلناه مفرقاً في عشرين سنة أو وثلاث {لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ} مهل وتؤدة ليفهموه {ونزلناه تَنْزِيلاً} شيئا بعد شيء على حسب المصالح.
{قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)} {قُلْ} لكفار مكة {ءَامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} تهديد لهم {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ} قبل نزوله وهم مؤمنو أهل الكتاب {إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}.
{وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)} {وَيَقُولُونَ سبحان رَبِّنَآ} تنزيهاً له عن خلف الوعد {إن} مخففة {كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا} بنزوله وبعث النبي صلى الله عليه وسلم {لَمَفْعُولاً}.
{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)} {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} عطف بِزِيَادَةِ صفة {وَيَزِيدُهُم} القرآن {خُشُوعًا} تواضعاً لله.
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)} وكان صلى الله عليه وسلم يقول: يا الله يا رحمن، فقالوا: ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر معه فنزل {قُلْ} لهم {ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} أي سموه بأيهما أو نادوه، بأن تقولوا يا الله يا رحمن {أَيّا} شرطية {مَا} زائدة، أيَّ هذين {تَدْعُواْ} فهو حسن دلَّ على هذا {فَلَهُ} أي لمسماهما {الأسمآء الحسنى} وهذان منها، فإنها كما في الحديث. «الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر، الخالق البارئ المصور، الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم، القابض الباسط الخافض الرافع المعز المُذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العليُّ الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدّم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البرّ التواب المنتقم العفوّ الرؤوف، مالك الملك ذو الجلال والإِكرام، المقسط الجامع الغني المغني المانع الضارّ النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور» رواه الترمذي قال تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} بقراءتك فيها فيسمعك المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومَنْ أنزله {وَلاَ تُخَافِتْ} تسرّ {بِهَا} لينتفع أصحابك {وابتغ} اقصد {بَيْنَ ذلك} الجهر والمخافتة {سَبِيلاً} طريقاً وسطاً.
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)} {وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى الملك} في الألوهية {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ} ينصره {مِّنَ} أجل {الذل} أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} عظِّمه عَظَمة تامة عن اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به، وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرّده في صفاته، روى الإِمام أحمد في مسنده عن معاذ الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «آية العزِّ: الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك» إلى آخر السورة والله أعلم.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)} {الحمد} وهو الوصف بالجميل، ثابت {لِلَّهِ} تعالى وهل المراد الإِعلام بذلك للإِيمان به أو الثناء أو هما؟ احتمالات، أفيدها الثالث {الذى أَنْزَلَ على عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {الكتاب} القرآن {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ} أي فيه {عِوَجَا} اختلافاً أو تناقضاً، والجملة حال من (الكتاب).
{قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)} {قَيِّماً} مستقيماً حال ثانية مؤكدة {لّيُنذِرَ} يخوّف الكتابُ الكافرين {بَأْسًا} عذاباً {شَدِيدًا مّن لَّدُنْهُ} من قِبَل الله {وَيُبَشّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}.
{مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)} {مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} هو الجنة.
{وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)} {وَيُنْذِرَ} من جملة الكافرين {الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا}.
{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)} {مَا لَهُمْ بِهِ} بهذا القول {مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لأَبَائِهِمْ} من قبلهم القائلين له {كَبُرَتْ} عظمت {كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} (كلمة) تمييز مفسر للضمير المبهم والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة {إِن} ما {يَقُولُونَ} في ذلك {إِلاَّ} مقولاً {كَذِبًا}.
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)} {فَلَعَلَّكَ باخع} مهلك {نَّفْسَكَ على ءاثارهم} بعدهم أي بعد توليهم عنك {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث} القرآن {أَسَفاً} غيظا وحزناً منك لحرصك على إيمانهم، ونصبه على المفعول له.
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض} من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك {زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ} لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك {أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} فيه أي أزهد له.
{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)} {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً} فتاتا {جُرُزاً} يابساً لا يُنْبِتُ.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9)} {أَمْ حَسِبْتَ} أي ظننت {أَنَّ أصحاب الكهف} الغار في الجبل {والرقيم} اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن قصتهم {كَانُواْ} في قصتهم {مِنْ} جملة {ءاياتنا عَجَبًا} خبر (كان) وما قبله حال، أي كانوا عجباً دون باقي الآيات أو أعجبها؟ ليس الأمر كذلك.
{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)} اذكر {إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف} جمع (فتى) وهو الشاب الكامل خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار {فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ} من قبلك {رَحْمَةً وَهَيّئ} أصلح {لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} هداية.
{فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)} {فَضَرَبْنَا على ءَاذَانِهِمْ} أي أنمناهم {فِى الكهف سِنِينَ عَدَدًا} معدودة.
{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)} {ثُمَّ بعثناهم} أيقظناهم {لَنَعْلَمَ} علم مشاهدة {أَيُّ الحِزْبَيْنِ} الفريقين المختلفين في مدّة لبثهم {أحصى} (أفعل) بمعنى (أضبط) {لِمَا لَبِثُواْ} للبثهم متعلق بما بعده {أَمَدًا} غاية.
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)} {نَحْنُ نَقُصُّ} نقرأ {عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق} بالصدق {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق إِنَّهُمْ}.
{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)} {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} قوّيناها على قول الحق {إِذْ قَامُواْ} بين يدي ملكهم وقد أمرهم بالسجود للأصنام {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السموات والأرض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ} أي غيره {إلها لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي قولاً ذا شطط: أي إفراط في الكفر إن دعونا إلهاً غير الله فرضاً.
{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)} {هَؤُلاءِ} مبتدأ {قَوْمُنَا} عطف بيان {اتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً لَّوْلاَ} هلا {يَأْتُونَ عَلَيْهِم} على عبادتهم {بسلطان بَيّنٍ} بحجة ظاهرة {فَمَنْ أَظْلَمُ} أي لا أحد أظلم {مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} بنسبة الشريك إليه تعالى.
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)} قال بعض الفتية لبعض: {وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله فَأْوُواْ إِلَى الكهف يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيّئ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقًا} بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس ما ترتفقون به من غداء وعشاء.
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)} {وَتَرَى الشمس إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ} بالتشديد والتخفيف تميل {عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليمين} ناحيته {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال} تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم ألبتة {وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ} متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها {ذلك} المذكور {مِنْ ءايات الله} دلائل قدرته {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِدًا}.
{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)} {وَتَحْسَبُهُمْ} لو رأيتهم {أَيْقَاظًا} أي منتبهين لأن أعينهم منفتحة جمع (يقظ) بكسر القاف {وَهُمْ رُقُودٌ} نيام جمع راقد {وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال} لئلا تأكل الأرض لحومهم {وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ} يديه {بالوصيد} بفناء الكهف وكانوا إذا انقلبوا انقلب هو مثلهم في النوم واليقظة {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ} بالتشديد والتخفيف {مِنْهُمْ رُعْبًا} بسكون العين وضمها منعهم الله بالرعب من دخول أحد عليهم.
{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)} {وكذلك} كما فعلنا بهم ما ذكرنا {بعثناهم} أيقظناهم {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} عن حالهم ومدّة لبثهم {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لأنهم دخلوا الكهف عند طلوع الشمس وبُعثوا عند غروبها فظنوا أنه غروب يوم الدخول ثم {قَالُواْ} متوقفين في ذلك {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} بسكون الراء وكسرها بفضتكم {هذه إلى المدينة} يقال إنها المسماة الآن «طَرَسُوس» بفتح الراء {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أزكى طَعَامًا} أي: أيّ أطعمة المدينة أَحَلَّ {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}.
{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)} {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} يقتلوكم بالرجم {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا} أي إن عدتم في ملتهم {أَبَدًا}.
{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)} {وكذلك} كما بعثناهم {أَعْثَرْنَا} أطلعنا {عَلَيْهِمْ} قومهم والمؤمنين {لِيَعْلَمُواْ} أي قومهم {أَنَّ وَعْدَ الله} بالبعث {حَقّ} بطريق أن القادر على إنامتهم المدّة الطويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى {وَأَنَّ الساعة لاَ رَيْبَ} [لا] شكّ {فِيهَا إِذْ} مفعول ل «أعثرنا» {يتنازعون} أي المؤمنون والكفار {بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} أمر الفتية في البناء حولهم {فَقَالُواْ} أي الكفار {ابنوا عَلَيْهِمْ} أي حولهم {بنيانا} يسترهم {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ} أمر الفتية وهم المؤمنون {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ} حولهم {مَّسْجِدًا} يصلى فيه، وفعل ذلك على باب الكهف.
{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)} {سَيَقُولُونَ} أي المتنازعون في عدد الفتية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي يقول بعضهم لبعض: هم {ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ} أي بعضهم {خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} والقولان لنصارى (نجران) {رَجْماً بالغيب} أي ظناً في الغيبة عنهم، وهو راجع إلى القولين معا، ونصبه على المفعول له أي لظنهم ذلك {وَيَقُولُونَ} أي المؤمنون {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} الجملة من المبتدأ وخبره، صفة سبعة بزيادة الواو، وقيل: تأكيد ودلاله على لصوق الصفة بالموصوف، وَوَصْفُ الأولين بالرجم دون الثالث دليل على أنه مرضيّ وصحيح {قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} قال ابن عباس: (أنا من القليل)، وذكرهم سبعة {فَلاَ تُمَارِ} تجادل {فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظاهرا} مما أنزل عليك {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ} تطلب الفتيا {مِنْهُمْ} من أهل الكتاب اليهود {أَحَدًا}.
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)} وسأله أهل مكة عن خبر أهل الكهف فقال: (أخبركم به غداً) ولم يقل إن شاء الله، فنزل: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَئ} أي لأجل شيء {إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَداً} أي فيما يستقبل من الزمان.
{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)} {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} أي إلا ملتبساً بمشيئة الله تعالى بأن تقول إن شاء الله {واذكر رَّبَّكَ} أي مشيئته معلِّقاً بها {إِذَا نَسِيتَ} التعليق بها ويكون ذكرها بعد النسيان كذكرها مع القول قال الحسن وغيره: ما دام في المجلس {وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبّى لأَقْرَبَ مِنْ هذا} من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوّتي {رَشَدًا} هداية، وقد فعل الله ذلك.
{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)} {وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ} بالتنوين {سِنِينَ} عطف بيان ل (ثلاثمائة)، وهذه السنون الثلاثمائة عند أهل الكتاب شمسية، وتزيد القمرية عليها عند العرب تسع سنين، وقد ذكرت في قوله {وازدادوا تِسْعًا} أي تسع سنين، فالثلاثمائة الشمسية: ثلاثمائة وتسع قمرية.
{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)} {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} ممن اختلفوا فيه وهو ما تقدّم ذكره {لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض} أي علمه {أَبْصِرْ بِهِ} أي: الله هي صيغة تعجب {وأَسْمِعْ} به كذلك بمعنى ما أبصرهُ وما أسمعهُ وهما على جهة المجاز، والمراد أنه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه شيء {مَا لَهُم} لأهل السموات والأرض {مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ} ناصر {وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا} لأنه غنيّ عن الشريك.
|